التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
الحضارة الأندلسية تميزت ببصمتها الخاصة، وقد شهد العالم كله ذلك من خلال الآثار الباقية؛ سواء المادية منها أم السلوكية.
إنَّ الحضارة الأندلسيَّة تميَّزت دائمًا ببصمتها الخاصَّة وكونيَّتها وتفرُّدها، وقد شهد العالم كلُّه ذلك من خلال الآثار الباقية؛ سواءٌ المادِّيَّة منها أم السلوكيَّة، والتي ما زالت راسخةً في أذهان وعادات الشعوب التي تماسَّت مع حضارة الأندلس.
ولكنَّنا الآن في هذا المقال بصدد بيان كيف تكوَّنت هذه الحضارة، وكيف استطاعت أن تتسم بالخلود والتأثير العميق إلى هذه الدرجة!
الإجابة قد تكون يسيرةً جدًّا على عكس المتوقَّع؛ فهي تتلخَّص في أنَّ الأندلسيِّين اتَّبعوا المنهج الإسلامي في بناء الحضارة؛ منهج التعمير المقيَّد بالانقياد الكامل لأوامر الله سبحانه وتعالى، فأيُّ متدبرٍ يجد أنَّ المؤسَّسات الحضاريَّة كلِّها نشأت بهذه الكيفيَّة ولهذا الغرض، فلم تقتصر كما الحضارات الوثنيَّة السابقة أو الأوروبِّيَّة الحاليَّة، على المادِّيَّة فقط التي تفتقر إلى كلِّ رحمةٍ وإنسانيَّة، حتى وإن ادَّعوا ذلك؛ فالممارسات والشواهد أوضح من أيِّ ادِّعاءٍ وكذب، وللمزيد من التفصيل في هذا الأمر يمكنك مراجعة الفصل الأوَّل (الحضارات العالميَّة قبل ظهور الإسلام) من كتابي «ماذا قدم المسلمون للعالم».
فنجد أنَّ المؤسَّسات الحضاريَّة الأندلسيَّة لم تقتصر على المادِّيَّة وتلبية الشهوات والرفاهية كما يحاول بعضهم تصوير ذلك، سواءٌ في كتاباتٍ أم أعمالٍ دراميَّة أم غيرها؛ لكنَّها تنوَّعت بين الإبداع الإداري، والروعة المعماريَّة والإبهار الفني، والجانب الإنساني والذي لم يكن فرديًّا قط بل كفلته الدولة (بمختلف عهودها) وأنشئت له المؤسَّسات التي تعني به وتعمل على ضمان استمراره.
المؤسسات الإدارية في الأندلس
الوزارة والحجابة والإدارة:
لم تكن الوزارة في الأندلس في بداية عهدها مشابهةً إلى ما وصلت إليه في المشرق؛ فمنذ تأسيس الإمارة على يد عبد الرحمن الداخل كان اعتماد الأمراء على أفراد البيوت المخلصة لهم، وكانوا في البداية مقصورين على موالي بني أميَّة وأولادهم وما تفرَّع عنهم، ثم دخلت أُسرٌ أخرى قرَّبها الأمراء، وكان منهم العرب والمولدون والمستعربون أحيانًا، وكان الكثيرون منهم من البربر بعد ذلك، ولم يكن لهؤلاء ألقابٌ محدَّدةٌ تدلُّ على منصب الوزارة، ومع تطوُّر الفكر الإداري وظهور شخصيَّاتٍ إداريَّةٍ لها دورٌ كبيرٌ وعقليَّةٌ متميِّزة، فكان لا بُدَّ من ظهور ألقابٍ وخصائص مميِّزة للمنصب، فبدأت بإطلاق ألقابٍ مثل القائد وقائد الجيوش، وهي تُبيِّن أنَّ مهامَّ (الوزير) لم تكن مقصورةً على الإدارة المدنيَّة فقط؛ بل تتعدَّاها لإدارة الحروب في بعض الأوقات وينوب الوزير عن الأمير الحاكم فيها، ثم ظهر بعدها لقب الحاجب.
والحاجب دلالته في المشرق مغايرةٌ تمامًا لما أوجده أهل الأندلس من صلاحيَّاتٍ له، فكانت مهمَّته -في المشرق الإسلامي- إدخال الناس على الخليفة حسب مقامهم وأهميَّة أعمالهم. أمَّا في الأندلس هو بمثابة رئيس الوزراء الذي يعتبر حلقة وصل بين الأمير الأموي وبين بقيَّة وزرائه، والذي أوجد هذا المنصب الأمير عبد الرحمن الداخل، وقلَّده أخلص رجاله، من أمثال: يوسف بن بخث، وعبد الواحد ابن مغيث الرومي، وغيرهم[1].. وترتبط بوظيفة الحاجب كلُّ الاختصاصات التي كانت للوزير في المشرق، وبالفعل أصبحت الحجابة في الأندلس مماثلةً للوزارة في المشرق، وأصبح الحاجب ثاني شخصيَّةٍ في الدولة بعد الأمير[2].
وقد تنوَّعت الاختصاصات الإداريَّة بين الوزراء؛ فهذا للمال ويُسمَّى الخازن، وذلك للأمن ويُسمَّى صاحب الشرطة، وذلك للمنشآت ويُسمَّى صاحب الأشغال، ثم نجد لقب الوزير يُعطى لهؤلاء على أنه لقب تشريف أو درجة وظيفة في أوَّل الأمر، ثم ارتبط بعد ذلك باختصاصٍ معيَّن؛ فنجد الوزير عيسى بن شهيد يقود الصوائف ويسمى بالوزير القائد، ويوسف بن بخت يتولى شئون المال ويسمى بالوزير الخازن، ومحمد بن السليم يتولى المواريث ويسمى الوزير صاحب المواريث.. وهكذا.
ثم في عهد عبد الرحمن الناصر وصلت الإدارة إلى قمَّة تطوُّرها؛ فنجد الوزير حينها له معنى واختصاصات ومسئوليَّات الوزير في أيَّامنا، ونجد الحاجب يُصبح الوزير الكبير «رئيس الوزراء»، الذي يلقى الأمير يوميًّا لمناقشته كلَّ أمور الدولة، ويجتمع يوميًّا مع أصحاب الوزارات في دار الوزارة، وفيها يجلس الوزراء على ترتيبٍ معيَّنٍ في هيئة دائرة، لكلٍّ وسادةٌ يجلس عليها، ولكلِّ وزيرٍ ديوانه وكُتَّابه. وقد تعدَّدت وظائف الوزراء في الأندلس وكانت تُعرف الوزارة بالخُطَّة، فكانت هناك خطة الخيل، وخطة الأعانة، وخطة الكتابة (ديوان الإنشاء)، وخطة المظالم، وخطة القيادة، وخطة الأشغال وخطة البحر[3].
وقد وصلت الحجابة إلى أقصى سلطة في عهد الحاجب المنصور محمد ابن أبي عامر، فقد سيطر على مقاليد الأمور وعرفت هذه الفترة (366 - 399هـ) بفترة الحجابة، تولى فيها الحاجب المنصور وأولاده من بعده، وفيها أحاط المنصور نفسه بهالةٍ من الأبَّهة والفخامة حتى إنَّ الوزراء وغيرهم كانوا يُقبِّلون يديه، ولم يكن يفعلونها من قبل إلَّا مع الخليفة فقط.
واستمرَّ لقب الحاجب حتى بعد سقوط الخلافة الأموية، وظهور دويلات الطوائف، فتقلَّده أمثال: سابور الفارسي، وهو أوَّل المستقلين في منطقة بطليوس، وباديس بن حبوس صاحب غرناطة، وأحمد بن قاسم أمير البونت. أمَّا في عهد المرابطين لم نرَ في نظامهم الإداري من حمل اسم الحاجب، وكذلك في دولة الموحدين، إلَّا أنَّ الوزير أحيانًا في دولة الموحدين يقوم مقام الحاجب، ووُجِد لقب الحاجب في مملكة غرناطة زهو بمعنى رئيس الوزراء، وكان له نفوذٌ كبير، فكان يوجِّه الهيئة الحاكمة ويتولى رئاسة القصر الملكي، والسلطان محمد الرابع هو أوَّل من أوجد هذا المنصب عام 729هـ، عندما عيَّن أبا النعيم رضوان حاجبًا له، وسلَّمه إدارة المملكة السياسيَّة والعسكريَّة[4].
القضاء وديوان المظالم:
لم تقتصر الإدارة في الأندلس على الوزارة والحجابة فقط؛ فكان للقضاء دورٌ بارزٌ ومكانةٌ كبيرةٌ في إدارة المجتمع الأندلسي، فكان قاضي الجماعة (قاضي قرطبة) ثالث شخصيَّةٍ في الأندلس بعد الأمير والحاجب، ولهذا كان الأمراء يختارون قضاة الجماعة بعنايةٍ شديدة وتدقيقٍ بالغ، وكان أدنى خطأ ظاهرٍ من القاضي يؤدِّي إلى عزله، وكان لقاضي الجماعة سلطةٌ على الأمير نفسه في مسائل العدالة، وكان من واجباته الحيلولة بين رجال القصر وكبار الموظفين وبين ارتكاب المخالفات، ولهذا كان القاضي رجلًا مرهوب الجانب، وكان الكثيرون يتحاشون هذه الوظيفة خوفًا من عدم استطاعتهم إقامة العدل على الأقوياء أو تحرُّجًا من خدمة أمراء لا يرضون عن كلِّ تصرُّفاتهم.
ولقد استحدث الأمويُّون خطَّةً سموها (خطة الشورى)، وكانوا يُسندونها إلى كبار العلماء من ذوي الشرف والهيبة[5]، حيث كان هناك عددٌ كبيرٌ من الشيوخ ذوي العلم الواسع والخلق المتين والدين القويم يسمون بالفقهاء المشاورين؛ أي الذين يشاورهم الأمير في كبار شئونه، وخاصَّةً الدينيَّة منها. وأوَّل من تولى هذه الخطة يحيى بن يحيى الليثي، وهو فقيهٌ جليل، وقد تعاصر معه اثنان من كبار الفقهاء وكانوا كذلك من المشاورين وهما: عبد الملك بن حبيب، وعيسى بن دينار، وقد قيل فيهم الثلاثة: «إن عبد الملك عالم الأندلس، وعيسى فقيهها، ويحيى بن يحيى عاقلها». وكان كبير المشاورين يُسمَّى بشيخ الفتيا أو شيخ المسلمين أو رئيس البلد، وكلُّها تسميَّاتٌ تدلُّ على كِبَر المكانة التي كان يتمتَّع بها الفقهاء المشاورون في ذلك العصر[6].
وكان ديوان المظالم قد عُرِف في الأندلس باسم «خُطَّة المظالم»، التي ظهرت في وقتٍ مبكِّرٍ منذ الدولة الأمويَّة في الأندلس، لكن لم تتَّضح واجباتها إلَّا في عصر الخلافة في القرن الرابع الهجري.
وقد مرَّت خُطَّة المظالم في المغرب والأندلس بتطوُّرٍ يختلف عن مثيلتها في الشرق الأموي والعباسي؛ إذ كانت أقلَّ منزلةً من رتبة «قاضي الجماعة»، أو ما يُسمَّى في المشرق بـ«قاضي القضاة»، ولم يَلِ هذه الوظيفة من الأمراء والخلفاء في الأندلس والمغرب إلَّا القليل منهم؛ ولذلك كان المتَوَلُّون لهذه المهمَّة من الفقهاء والعلماء الراسخين، ومن أشهر من تولَّى المظالم في إفريقيَّة محمد بن عبد الله الذي قال في حقِّه ابن عذارى: «كانت وطأته اشتدت على أهل الريب والفساد، بالضرب والقتل وقطع الأيدي والأرجل، لا تأخذه فيها لومة لائم»[7].
وبلغت شهرة ومكانة بعض مَنْ وَلِيَ خطة المظالم في الأندلس درجةً عاليةً بين الخاصَّة والعامَّة، وترقَّى بعضُهم في المناصب الإداريَّة العليا في الدولة؛ فهذا «أبو المطرف عبد الرحمن بن محمد بن عيسى بن فطيس قد تقلَّد خطة المظالم بعهد المنصور محمد بن أبي عامر؛ فكانت أحكامه شدادًا، وعزائمه نافذة؛ وله على الظالمين سَوْرة[8] مرهوبة، وشارك الوزراء في الرأي؛ إلى أن ارتقى إلى ولاية القضاء بقرطبة، مُجْمِعًا إلى خُطة الوزارة والصلاة؛ وقلَّ ما اجتمع ذلك لقاضٍ قبله بالأندلس»[9].
الشرطة:
لقد ابتكر الأندلسيُّون لمنصب صاحب الشرطة قسمين مهمَّين؛ فأمَّا القسم الأوَّل: فسُمِّيت بالشرطة الكبرى، وكان هدفها الضرب على أيدي أقارب السلطان ومواليه وأهل الجاه، ولصاحب الشرطة الكبرى كرسيٌّ بباب السلطان، وكان من المرشَّحين دائمًا للوزارة أو الحجابة، ولا شكَّ أن ابتكار هذا المنصب ليُدلِّل على أنَّ الحضارة الإسلامية كانت حضارة تحترم القوانين التشريعية، والأعراف المجتمعية، لا فرق فيها بين غني أو فقير، أو بين رئيس ومرءوس. وكان القسم الثاني: الشرطة الصغرى، وهي مخصَّصَةٌ للعامَّة وسواد الناس، وكان صاحب الشرطة في الأندلس يُلَقَّب بصاحب المدينةِ[10].
إنَّ الحضارة الإسلاميَّة حضارةً بَنَّاءةً مبتكِرة، ولا شَكَّ أن منصب صاحب الشرطة كان موجودًا بالفعل في الأمم السابقة؛ إذ أحوال المجتمعات وتشابك الأفراد يجعل مثل هذا المنصب ملحًّا في أيِّ وقتٍ وأيِّ مكان، لكنَّه في الحضارة الإسلاميَّة كان مغايرًا كلَّ المغايرة عمَّا كان عليه عند الفرس أو الرومان؛ فقد أضاف المسلمون لهذا المنصب كلَّ جديد، وجعلوه متقيِّدًا بآداب الإسلام وتشريعاته.
الحسبة:
عرفت الأندلس وظيفة المحتسب منذ فترةٍ مبكِّرة، ولكن ما يلفت النظر، أنَّ المحتسب كان يستعين بالصبيان والفتيات، ليُعينوه على معرفة التاجر الغاشِّ، فكان «المحتسبُ يدسُّ عليه (أي على التاجر) صبيًّا أو جاريةً يبتاع أحدُهما منه، ثم يختبرُ الوزنَ المحتسبُ، فإن وجد نقصًا، قاسَ على ذلك حاله مع الناس -فلا تسأل عمَّا يلقى[11]- وإن كثر ذلك منه ولم يَتُبْ بعد الضرب والتجريس[12] في الأسواق، نُفي من البلد، ولهم (المحتسبون) في أوضاع الاحتساب قوانينٌ يتداولونها ويتدارسونها كما تتدارس أحكام الفقه؛ لأنَّها عندهم تدخل في جميع المبتاعات، وتتفرَّع إلى ما يطول ذكره»[13].
ونتيجة للمنزلة الكبرى التي نالها محتسبو الأندلس، وجدنا مؤرِّخ الأندلس وعالمها لسان الدين بن الخطيب، يكتب رسالة تهنئة لمحمد بن قاسم الشُّدَيْد، محتسب مالقة الجديد، يُهَنِّئه ويُحَذِّره، فممَّا جاء فيها: «كتبتُ أيها المحتسبُ، المنتمي إلى النزاهة المنتسب، وأهنِّيك ببلوغ تمنِّيك، وأُحذِّرُك من طمع نفسٍ بالغرور تُمْنِيك، فكأنِّي وقد طافت بركابك الساعة، ولُزِم لأمرك السمع والطاعة، وارتفعت في مُصانعتِك الطمَّاعة، وأخذتَ أهل الرِّيب بغتةً كما تقوم الساعة، ونهضتَ تُقْعِد وتُقيم، وسكوتُك الرِّيحُ العقيم، وبين يديك القسطاسُ المستقيم، ولا بُدَّ من شَرَكٍ يُنصَب، وجماعةٍ على ذي جاهٍ تتعصَّب... فإن غضضت طرفك، أَمِنْتَ عن الولاية صَرْفَك، وإن ملأتَ ظرفك، رحلت عنها حرفك..»[14].
من مظاهر الجمال في الحضارة الأندلسية:
العمارة الأندلسية:
بطبيعة الحال لم يهتم الفاتحون الأوائل بالعمران والفنون قدر اهتمامهم باستقرار الأوضاع السياسيَّة خارجيًّا وداخليًّا ووضع القواعد الاجتماعيَّة التي تُرسِّخ لهذه الحضارة، فمن البدهي أن تكون العمارة والفنون نتاجًا لهذا الأساس لا قَبْله، فلم يهتمُّوا قبل عصر الإمارة الأمويَّة بتجويد البناء. وفي عصر عبد الرحمن الداخل بدأ العمران بنقل الأسلوب المشرقي الدمشقي خاصَّةً إلى الأندلس، فأصبحت تسير في شوارع الأندلس كأنَّك داخل دمشق، ثم تطوَّرت إلى أن أصبحت هندسةً خاصَّةً ذات بصمةٍ مميَّزة، فلا يمكن أن يرى أحدٌ العمارة الأندلسيَّة ولا يُميِّزها، أو حتى تختلط في ذهنه مع حضارةٍ أخرى فيحتار في نسبتها..
وقد أبدع الأندلسيُّون في العمارة وتمثَّلت روائعهم في تشييد المساجد، والبِيَع، والقصور، والحمَّامات، والأبراج، والأبواب الحصينة، بل والمدن الكاملة التي ما تزال باقية تشهد بتفرُّدٍ إبداعيٍّ وعبقريَّةٍ هندسيَّةٍ معماريَّة لا سابق لها.. مثل: مدينة قرطبة، والزهراء، وغرناطة، والزاهرة، ومدينة سالم (شمال شرق مدريد)، وألمرية، ومُرسية، وبطليوس. حتى إنَّ براعة العمران والهندسة ظهرت في المنشآت العسكريَّة كذلك التي من المفترض أنَّها لا تعني أبدًا بالقيمة الجماليَّة، ومنها حصن مجريط وهو (مدريد حاليًّا) عاصمة إسبانيا، فهي العاصمة الأوروبِّيَّة التي بناها المسلمون الأندلسيُّون[15].
ومن أروع الآيات المعماريَّة مسجد طليطلة مثال الهندسة العربيَّة، ومنارة مسجد إشبيلية، وكثيرٌ من الأرتجة والأبواب. وقصر الحمراء وهو أجمل زهرةٍ من زهرات الصنائع النفيسة التي تفتَّقت أكمامها بأيدي الأندلسيِّين.
وقد ظلَّ الصناع والمعماريُّون الأندلسيُّون في إسبانيا قرونًا بعد ذهاب دولتهم يعملون في المصانع الإسبانيَّة يدخلون في هندستها بعض أساليبهم، فأثَّروا بها تأثيرًا عظيمًا في الأبنية المبنيَّة على الأسلوب الغوطي والإيطالي (الرنيسانس). فكانت معظم الآثار التي بناها الإسبان بعد سقوط الأندلس بأيدي صنَّاع عرب أبقوا عليهم لقيام مصانعهم، وذلك لأنَّ الإسبان كانوا متأخِّرين في الهندسة والصنائع النفيسة. وأهم ما يتنافس فيه الإسبان إلى اليوم (القيشاني) فإنَّك تراه في كلِّ بيت وكنيسة وحائط ونزل ومدرسة ومتحف، وهو من بدائع الأندلسيِّين الموريسكيِّين، وهو ما اشتهر في الأوساط الأوروبِّيَّة باسم «الفن المدجن»[16].
الحدائق الأندلسية:
«إنَّ منظر الحدائق يبعث في القلب البهجة والنشاط والحيويَّة، وتَأَمُّل هذه البهجة والجمال الناضر الحيِّ الذي يبعثها كفيلٌ بإحياء القلوب، وتَدَبُّر آثار الإبداع في الحدائق كفيلٌ بتمجيد الصانع عز وجل الذي أبدع هذا الجمال العجيب، وإنَّ تلوين زهرة واحدة وتنسيقها ليَعْجَز عنه أعظم رجال الفنون من البشر، كما أن تموُّجَ الألوان، وتداخل الخطوط، وتنظيم الوريقات في الزهرة الواحدة ليبدو معجزة تتقاصر دونها عبقريَّة الفنِّ في القديم والحديث، فضلًا عن معجزة الحياة النامية في الشجر، وهي السرُّ الأكبر الذي يعجز عن فهمه البشر...»[17].
كان لامتلاء القرآن والسُّنَّة بالصور الباهرة انعكاسٌ ملموسٌ على الحضارة الإسلامية؛ إذ لم تَخْلُ حاضرةٌ من حواضر الإسلام في المشرق ولا المغرب من الحدائق الرائعة، التي تميَّز بها الحسُّ المعماري الإسلامي؛ منها ما كان في الأندلس، وتركيا، والشام، وفارس، ومصر، وسمرقند، والمغرب، وتونس، واليمن، وعُمان، والهند، وغيرها. على أنَّ في الأندلس كانت لها خصوصيَّةٌ ونمطٌ مميَّز، وسنعرض فيما يلي لأهمِّ حدائق الأندلس[18]:
- في قرطبة: أنشأ عبد الرحمن الداخل / الرصافة، والتي تُعَدُّ من كبرى الحدائق في الإسلام، وكان قد أنشأها على غرار الرصافة التي كانت بالشام، وأسَّسها جدُّه هشام بن عبد الملك /، وقد أتى لها بالنباتات العجيبة من كلِّ بلاد العالم، «نقل إليها غرائب الغروس وأكارم الشجر من كل ناحية، وأودعها ما كان استجلبه يزيد، وسفر رسولاه إلى الشام من النوى المختار والحبوب الغريبة حتى نمت بيمن الجد وحسن التربية في المدَّة القريبة أشجارًا معتمة، أثمرت بغرائب من الفواكه انتشرت عمَّا قليل بأرض الأندلس، فاعترف بفضلها على أنواعها»[19].
- في غرناطة[20]: كان يلتفُّ حول سور غرناطة بساتين وحدائق حتى لكأنَّها سورٌ آخر[21]، هذا في خارج المدينَة. أمَّا القصور، فتُعتبر حدائق قصر الحمراء أفضل مثالٍ يمكن أن يُقدَّم لحدائق الحضارة الإسلامية. وفي غرناطة كذلك نجد (جنـة العريف) التي أقيمت على سفح ربوة، وصمَّمها المسلمون على هيئة مدرَّجاتٍ لا يتعدَّى عرضُ أوسعها ثلاثة عشر مترًا، ولا يزيد عددها على ستَّة مستويات، ويلعب الماء دورًا أساسيًّا فيها؛ إذ ينهمر من أعلى الحديقة من عيونٍ تصبُّ في قنواتٍ تمرُّ عَبْرَ الأشجار، بما يدلُّ دِلالةً واضحةً على التأثُّر بآية ﴿وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ﴾ [الواقعة: 31][22].
حتى لما انتهى العصر الذهبي لقرطبة وبدأ عصر ملوك الطوائف، تصف إكسبيراثيون سانشيز[23] المشهد عن الحدائق في الأندلس فتقول: «عقب تفسُّخ الخلافة ونشوء ممالك الطوائف لم يتأخَّر الحكام الجدد في تقليد عادات الخلفاء المخلوعين، فكثرت تلك الحدائق «التجريبيَّة» في كلِّ قصرٍ من قصور الحكم الجديدة... وكان لكلِّ واحدٍ من تلك البساتين عالِمٌ في الفلاحة يُشرف عليها»[24].
وفي الأندلس كانت الحدائق بعدد البيوت؛ إذ كان في كلِّ بيتٍ حتى الصغير منها حدائق، ويعترف جيمس دكي[25] حين حديثه عن الدُّور الصغيرة في غرناطة بأنَّه «مع أنَّ أغلب تلك الدور صغيرٌ إلَّا أنَّ فيها جميعًا مياهًا جارية، وزهورًا وورودًا عبقة، وشجيراتٍ، ووسائلَ راحةٍ كاملة، تُبرهن على أنَّ هذه الأرض عندما كانت في يد الموريين (المسلمين) كانت أكثر جمالًا ممَّا هي عليه اليوم»[26].
النافــــــــــــــــــــــورات
تُمثِّل النافورات في الحدائق الإسلاميَّة جزءًا من مهارة المزارع والمهندس والفنَّان المسلم في استخدام المياه في الحدائق. «لقد جاء استخدام الماء في الحديقة الإسلاميَّة بصورةٍ متنوِّعة؛ فقد استُخدم على شكل مسطحات مائيَّة مظلَّلة بالأشجار، أو على شكل نوافير تُساعد على تحريك سطح الماء، فلا يعمل كسطحٍ عاكسٍ، أو على شكل أنابيب علويَّة تتساقط منها المياه محدثةً خريرًا مقبولًا، أو على شكل سلسبيل»[27].
وبإمكاننا بعدما رأينا طرفًا من انتشار وسعة الحدائق على طول المساحة الإسلاميَّة، وبعدما رأينا أنَّ الحدائق انتشرت حتى داخل البيوت، نقول: يمكننا أن نُضاعف هذا التخيُّل لنحسب عدد النافورات في كلِّ حديقة، وهو عددٌ لا يكاد يحصى.
حتى البيوت الفقيرة في المجتمع الإسلامي يصفها ول ديورانت فيقول: «وكانت بيوت الفقراء وقتئذٍ -كما هي الآن- أبنيةً مستطيلة الشكل؛ مُقَامةً من اللبن الملتصق بالطين، سقفها خليطٌ من الطين، وأعواد النبات، وغصون الأشجار، وجريد النخل، والقش. وكانت البيوت الأرقى من هذه نوعًا تشتمل على فناء داخلي مكشوف، ذي فسقيَّة، وشجرة في بعض الأحيان؛ وكانت تحتوي أحيانًا على طائفة من العمد الخشبيَّة، ورواق مسقوف بين الفناء والحجرات»[28].
فلم تكن النافورات إذن مجرَّد بذخ، لقد كانت وجهًا من فلسفة الحضارة الإسلاميَّة في استعمال المياه التي كانت «مرتبطة بنواحٍ وظيفيَّة والاستمتاع الحسِّي الروحي»[29].
كانت المياه المتدفقة من النافورات -في جنَّة العريف بغرناطة- توجَّه بمهارةٍ فائقةٍ حول حافَّة حوض المياه، فينتج الماء المتدفق تموُّجاتٍ نصف دائريَّة عندما يتساقط على الحوض المائي، وهذا الأسلوب هو إضافةٌ إسلاميَّةٌ لم تكن موجودةً من قبل[30]. ولقد كانت الأحواض المائيَّة تحتوي أحيانًا على أسماك أو أنواع من الطيور كالبط، فكانت النافورات على جوانب هذه الأحواض تمنع وجود الحشرات على سطح الماء، كما استخدمت النافورات -أيضًا- لإطلاق الرذاذ المائي؛ لتلطيف وترطيب الأجواء بأقلِّ كميَّةٍ ممكنة من الماء[31].
وفي الأندلس، وتحديدًا في قصر الحمراء لم تكن نافورة ساحة الأسود أحد المحاور الرئيسة لشبكة المياه التي تغذِّي القصر فحسب؛ وإنَّما كانت قطعةً معبِّرةً عن جمال النحت في الحضارة الإسلاميَّة، إذ يحمل صحن النافورة اثنا عشر أسدًا يخرج الماء من أفواهها، وستزداد دهشتنا حين نعلم أنَّ هذه النافورة كانت ساعة، يخرج الماء عند الساعة الواحدة من فم أسدٍ واحد، ثم عند الثانية من فم أسدين، وهكذا عند الساعة الثالثة والرابعة إلى أن يخرج الماء من أفواه جميع الأسود عند الساعة الثانية عشرة، ولكن هذا النظام تعطَّل حين سقطت الأندلس، وحاول الإسبان معرفة نظامها فأفسدوها[32].
وهكذا كانت النافورات جزءًا بديعًا من الحدائق الإسلاميَّة، ذات وظيفة عمليَّة، وقيمة جماليَّة، وأحيانًا كانت -أيضًا- اختراعًا علميًّا.
الخانات والفنادق
وقد اشتهرت مدن الأندلس بفنادقها الكثيرة والعامرة؛ حيث ذكر الحميري في كتابه «صفة جزيرة الأندلس» أنَّ مدينة ألمرية الأندلسيَّة «فيها ألف فندقٍ إلَّا ثلاثين فندقًا»[33]، وفي كثرة هذه الفنادق، دليلٌ على العدد الكبير من زوَّار وقُصَّاد هذه المدينَة العريقة.
وقد انتشرت هذه الفنادق بصورةٍ واسعةٍ في الأندلس منذ عهد الدولة الأمويَّة، لكن بعضها كان يحيد عن الآداب العامَّة، فكان الأمراء يسعون في هدمها؛ لما تُحدثه من فوضى أخلاقيَّة في المجتمع، ففي عام (206هـ) «أمر الحكم بن هشام بهدم الفندق الذي كان بالربض؛ وكان متقبله من أهل الإضرار والفسق؛ فهُدم»[34]. ولا شكَّ أنَّ مثل هذه الأفعال الماجنة التي كانت تَحْدُث في بعض الفنادق قديمًا، هي بعينها ما نراه أو نسمع عنه في كثيرٍ من فنادقنا الحديثة، ولكن شتَّان بين الأمرين؛ إذ كان الخلفاء والأمراء يتصدَّوْن لهذه المفاسد بكلِّ حزمٍ وقوَّة، ويأمرون بإنزال أقصى أنواع العقوبة على هذه الفنادق، فيهدمونها، ولكن الأمر بالنسبة إلى فنادق هذا العصر عكس ذلك بكثير!
الاهتمام بالجمال في المجتمع الأندلسي
ومع أنَّ بعضهم قد تُثيره الدهشة من الحديث عن مثل هذه الأمور الحياتيَّة الدقيقة في حياة أهل الأندلس، ومع ذلك آثرت أن أعرض ولو لبعض هذه المظاهر الجماليَّة من اعتناء الأفراد من أهل الأندلس بالمظهر الشخصي لهم، ممَّا يُبيِّن الرقي الكبير الذي وصل إليه المجتمع الأندلسي؛ خاصَّةً إذا كانت للأمر أهميَّةٌ في بيان المفارقة الشديدة والبون الشاسع بين الحضارة الإسلاميَّة وبين الغرب في التوقيت نفسه؛ فحيث تمتلئ كتب الرحَّالة المسلمين بأقذر الأوصاف عن معاملات الروس أو الخزر أو الأوروبِّيِّين بشكلٍ عام، من ناحية المظهر والأخلاق المعاملات.. فلذلك يستحق الأمر بيانًا وتفصيلًا كذلك.. فأيُّ أمَّةٍ وصل أفرادها إلى هذا المستوى من الرقي والتحضر فمن المؤكَّد أنَّه حُقَّ لها أن تكون في أعلى مراتب الأمم وأجلها..
اعتناء أهل بنظافة الجسد والتزيُّن
استعمل أهل الأندلس خاصَّةً النساء الطيوب والمراهم والعطور، كما استعملوا الملح والصابون لتنظيف الأسنان والعناية بنظافة الجسد، وبعض هذه العطور كانت تستورد من المشرق، وفي ذلك يقول المسعودي: «أصول الطيب خمسة أصناف: المسك، والكافور، والعود، والعنبر، والزعفران، وكلها من أرض الهند، إلَّا الزعفران والعنبر، فإنَّهما موجودان في أرض الأندلس، ويوجد العنبر في أرض الشَّحر»[35].
وقد استعملوا الكحل، والحنَّاء لتجميل الأظافر، وكذلك لصبغ الشعر الذي اشتهر بين الرجال والنساء؛ فكان الرجال تصبغ لحاها بالحنَّاء والقرطم والمعصفر.
وكان اهتمام الأندلسيِّين بالجواهر والحلي والتزيُّن شديدًا، زادت قوَّته أيَّام بني نصر، وقد أشار ابن الخطيب إلى أنَّ يوسف الأوَّل كانت لديه مجموعةٌ كبيرةٌ من الجواهر الثمينة.
ويقول التلمساني ما يُثير الإعجاب: «وأهل الأندلس أشدُّ خلق الله اعتناءً بنظافة ما يلبسون وما يفرشون، وغير ذلك ممَّا يتعلَّق بهم، وفيهم من لا يكون عنده إلَّا ما يقوته يومه، فيطويه صائمًا ويبتاع صابونًا يغسل به ثيابه، ولا يظهر فيها ساعةً على حالةٍ تنبو العين عنها»[36]!
وكلُّ ذلك يُدلِّل على الدرجة العالية من التحضُّر النابع من الإيمان القوي والاقتداء المثالي بأخلاقيَّات الإسلام الكريم، فالنظافة بلا شَكٍّ درجةٌ عظمى من درجات الإيمان بالله.
اعتناء أهل الأندلس بالملبس
يصف ابن فضل الله طريقة أهل الأندلس في الملبس فيقول: «وأهل الأندلس لا يتعمَّمون بل يتعهدون شعورهم بالتنظيف والحنَّاء ما لم يغلب الشيب، ويتطيلسون إلَّا العامَّة فيلقون الطيلسان على الكتف أو الكتفين مطويًّا طيًّا ظريفًا، ويلبسون الثياب الرفيعة الملوَّنة من الصوف والكتان، ونحو ذلك وأكثر لباسهم في الشتاء الجوخ، وفي الصيف البياض، والمتعمم فيهم قليل»[37].
كان لباس أهل الأندلس الغالب في الشتاء هو المُلَف المصبوغ المنسوج من الصوف، أمَّا في الصيف فكانوا يرتدون الكتَّان، والحرير، والقطن، والأردية الإفريقيَّة، والمقاطع التونسيَّة، والمآزر والمرعزي المستخلص من شعر العنز، كما كانوا يلبسون غفائر الصوف حمراء وخضراء، أمَّا الصفر فكانت مخصَّصةً لليهود[38].
ولم يقف الأمر عند ذلك بل كانت هناك ملابس مخصَّصة للمناسبات الاجتماعيَّة وتختلف طريقة ارتدائها وألوانها بحسب كلِّ موقف!
لباس الأفراح والحداد
كان من المعروف أنَّ اللون الأبيض كان لون الحداد عند الأمويِّين، وقد استمرَّ أغلب فترات الأندلس، حتى جاء بنو الأحمر فاختاروا اللون الأسود في لباس الحداد، بينما كانوا يلبسون اللون الأبيض في المناسبات السعيدة. وقد نقل المقري عن الشاعر الرحَّالة الشريشي:
أَلَا يَا أَهْلَ الْأَنْدَلُسَ فَطِنْـــتُم * * * بِلُطْفِكُمْ إِلَى أَمْرٍ عَجِــــيبِ
لَبِسْتُمْ فِي مَآتِمِكُــمْ بَيَاضــًا * * * فَجِئْتُــمْ مِـنْهُ فِي زِيٍّ غَرِيـبِ
صَدَقْتُمْ فَالْبَيَاضُ لِبَاسُ حُــزْنٍ * * * وَلَا حُزْنَ أَشَــدَّ مِنَ الْـمَشِيـبِ[39]
لباس الاستقبال
وفي الاستقبال الذي خصَّه أهل غرناطة للسلطان أبي الحجَّاج يوسف الأوَّل بوادي آش شمال شرق غرناطة، فقد ذكر ابن الخطيب أنَّ الأهالي استقبلوه بملابس بيضاء: «واستقبلتنا البلدة -حرسها الله- في تبريز سلب الأعياد احتفالها وخصها وحسنها وجمالها، نادى بأهل المدينة موعدكم يوم الزينة، فسمحت الحجال برباتها، والقلوب بحياتها، والمقاصر بجوارها والمنازل بدورها، فرأينا تزاحم الكواكب بالمناكب، وتدافع البدور بالصدور بيضاء كأسراب الحمائم، متلفعات بمروطهن تلفع الأزهار بالكماكم»[40].
ولعلَّ اللباس الأبيض الذي تحدث عنه ابن الخطيب يقصد به «الملحفة» التي كانت تستعمل في المغرب كما في الأندلس، ويعني به الخمار أو المعطف الذي تُحجَّب به المرأة خارج البيت. ويذكر المؤرِّخ دييغو دي طوريس أنَّ اللباس المسمَّى «الإزار» في المغرب يُسمَّى بالملحفة في الأندلس، والشيء ذاته أكَّده كذلك مارومول.
وكان لأهل الأندلس أرديةٌ متعدِّدة الأشكال والأجناس بحسب تعدُّد المناطق، يقول ابن الخطيب: «والأردية الإفريقيَّة والمقاطع التونسيَّة، والمآزر المشفوعة فتبصرهم في المساجد أيام الجمع كأنهم الأزهار المفتَّحة في البطاح الكريمة تحت الأهوية المعتدلة»[41].
العمامة والجبة والطيلسان
أما زيُّ أهل الأندلس فالغالب عليهم ترك العمامة، لا سيَّما في شرق الأندلس، وإنَّ أهل غربها تكاد لا ترى فيهم قاضيًا ولا فقيهًا مشارًا إليه إلَّا وهو بعمامة، فإن ابن هود الذي ملك الأندلس في عصره لم يلبس عمامة، وكذلك بنو الأحمر كثيرًا ما تزيَّا سلاطينهم وأجنادهم بزي النصارى المجاورين لهم؛ إذ حلت بقلنسوة عالية شبيهة بما كان رائجًا عند القشتاليِّين.
أمَّا الطيلسان فلا نجد في خواصِّ الأندلس وأكثر عوامِّهم من يمشي دونه، إلَّا أنَّه لا يضعه على رأسهم منهم إلَّا الأشياخ، والذؤابة لا يرخيها إلَّا العالم، ولا يسدلونها بين الأكتاف، وإنَّما يسدلونها من تحت الأذن اليسرى.
وهذه الأوضاع التي بالمشرق في العمائم لا يعرفها أهل الأندلس، حتى إنَّهم إذا رأوا على رأس مشرقي قَدِم إلى بلادهم شكلًا منها، أظهروا التعجُّب والاستظراف، ولا يأخذون أنفسهم بتعاليمها؛ لأنَّهم لم يعتادوا ولم يستحسنوا غير أوضاعهم، وكذلك في تفضيل الثياب. أمَّا الجبَّة فقد كانت من لباس الخاصَّة، لبسها الأغنياء من رجالٍ ونساء[42].
أمَّا العامَّة فكانت الجبَّة عندهم من القطن أو الصوف، بينما البُرنس المغربي المصنوع من القماش الفاخر كان على ما يبدو لباس السفر اتَّخذه الأندلسيُّون لهم منذ العهد الأموي، وفيما بعد انتقل إلى المناطق النصرانيَّة، فلبسه الرجال والنساء مدَّةً طويلة، وأخذوا يرتدونه في أوقات الشتاء.
لباس الخف والنعال
وأغطية القدم كان لها القدر ذاته من الأهميَّة لديهم فكان أهل الأندلس رجالًا ونساءً -في أغلب فترات الأندلس- ينتعلون أخفافًا سوداء، طرفها الأمامي مستطيل ومعقوف، أمَّا في البيت فينتعلون الصندل الجلدي، والقبقاب الخشبي.
وأشارت بعض الوثائق إلى أنَّ السيدات بغرناطة كنَّ يرتدين في أرجلهنَّ خفًّا غليظًا من الجلد يُلبس فوق خُفٍّ أدقَّ منه يُدعى الموق.
الجمال الإنساني في الأندلس.
التكافل والإغاثة في الأندلس:
بالطبع يحتل العمل الإغاثي المكانة الأكبر في الجانب الحضاري الإنساني عند كلِّ الأمم والحضارات، وهو أحد المعايير الكبرى والأهم في قياس رقي هذه الحضارات؛ فهو الذي يُبيِّن حقيقة هذه الأمم، وهل بالفعل تستحق وصف الحضارة والإنسانيَّة أم هو مجرَّد ادِّعاء باطل وأكاذيب؟!
لقد استمر حكم المسلمين في الأندلس أكثر من ثمانية قرون حفلت بالمظاهر الرائعة للتكافل بين المسلمين، ورعاية شئون المكروبين والمحتاجين، ويظهر ذلك على مرِّ عهود الأندلس التاريخيَّة منذ الإمارة والخلافة الأمويَّة، مرورًا بالدولة العامرية، وفي عهد المرابطين وبني مرين لم تقتصر الإغاثة فقط على العمل الفردي أو حتى الإسهامات الاجتماعيَّة المعروفة، بل تعدَّتها إلى إغاثة الدولة بأكملها من الخطر الصليبي إغاثتها من السقوط والضياع الدائم، ومع أنَّ السقوط -كما أشرنا سابقًا- كان حتميًّا للأسباب التي عرضناها آنفًا، ولكن إغاثة المرابطين والمرينيِّين للأندلس أمدَّت في عمرها قرونًا وليس فقط أعوام أو عقود! وسنأتي على تفصيل تلك الفترات الأربع في النقاط التالية:
في عهد الإمارة والخلافة الأموية:
عهد عبد الرحمن الداخل (138 - 172هـ):
جاء أحد الناس إلى عبد الرحمن الداخل وطلب منه حاجةً أمام أعين الحاضرين، فقضاها له، ثم قال: «إذا ألمَّ بك خَطْبٌ أو حَزَبك أمر فارفعه إلينا في رُقعةٍ لا تعدوك؛ كي نستر عليك، وذلك بعد رفعك لها إلى مالكك ومالكنا - عَزَّ وجهُه - بإخلاص الدعاء وصدق النيّة»[43].
فهو ليس واسع الكرم فحسب، بل هو يريد أن يعطي الرجل مع كونه يستره، وفوق ذلك هو يُعلِّمه أن يجعل توجهه أوَّلًا لله عز وجل، وهذا يدل على نفسٍ متواضعةٍ ويدٍ سخيَّة.
عهد هشام بن عبد الرحمن الداخل (172 – 180هـ):
على الرغم من انشغاله بالحروب والجهاد وقِصر فترة حكمه التي لم تتجاوز الثماني سنوات فإنَّه كان يتصدَّق بالصدقات الكثيرة، وربَّما كان يخرج في الليالي المظلمة شديدة المطر، ومعه صرر الدراهم يتحرَّى بها المساتير، وذوي البيوتات من الضعفاء، لم يزل هذا مشهورًا من أمره إلى أن مات[44].
عهد الحكم بن هشام (180 – 206هـ):
اتَّسم عهد الحكم بن هشام بن عبد الرحمن بكثيرٍ من الأعمال التكافليَّة والإغاثيَّة؛ «فقد ابتنى المستنصر في غربي جامع قرطبة دارًا للصدقة، واتخذها معهدًا لتفريق صدقاته المتوالية، وابتنى الفقراء البيوت قبالة باب المسجد الكبير الغربي»[45].
كان الحكم مغيثًا للضعفاء وللنساء اللاتي اعتدى عليهن العدو الصليبي في شمال الأندلس، ففي عام 194 من الهجرة، غزا الحكم هذه البلاد، وكان السبب في هذه الغزوة أن عباس بن ناصح الشاعر بمدينة الفرج «وادي الحجارة»، وكان العدو -بسبب اشتغال الحكم بماردة وتوجيه الصوائف[46] إليها مدة من سبعة أعوام- قد عظمت شوكته، فشنَّ الغارات في أطراف الثغور، يسبي ويقتل، وسمع العباس بن ناصح امرأة في ناحية وادي الحجارة، وهي تقول: واغوثاه يا حكم! قد ضيَّعتنا وأسلمتنا واشتغلت عنا، حتى استأسد العدوُّ علينا. فلمَّا وفد عبَّاس على الحَكَم، رفع إليه شعرًا[47] يقول فيه:
تململت في وادي الحجارة مسئدًا[48] أراعي نجومًا ما يرون تغيرًا
إليك أبا العاصي نضيت مطيتي تسـير بهمٍّ ساربًا ومهجرا
تداركْ نساء العالمين بنصرة فإنك أحرى أن تغيث وتنصرا[49]
فقد ذكر عباس بن ناصح قول المرأة واستصراخها به، وأنهى إليه ما عليه الثغر من الوهن وضعف الحال، فرثى الحَكَمُ للمسلمين، وحمي لنصر الدين، وأمر بالاستعداد للجهاد، وخرج غازيًا إلى أرض الشرك، فأوغل في بلادهم، وافتتح الحصون، وهدم المنازل، وقتل كثيرًا، وأسر كذلك، وقفل على الناحية التي كانت فيها المرأة، وأمر لأهل تلك الناحية بمالٍ من الغنائم، يُصلحون به أحوالهم، ويفدون سباياهم، وخصَّ المرأة وآثرها، وأعطاهم عددًا من الأسرى عونًا، وأمر بضرب رقاب باقيهم، وقال لأهل تلك الناحية وللمرأة: هل أغاثكم الحكم؟ قالوا: شفى والله الصدور، ونكى في العدو، وما غفل عنَّا إذ بلغه أمرنا! فأغاثه الله، وأعز نصره»[50]. وحينما وقعت المجاعة الشديدة بالأندلس عام 199هـ وعانى المسلمون منها ضروب الحرمان والبؤس، ومات كثير من الناس جهدًا، بادر الحَكَمُ إلى تخفيف الألم والبؤس والحرمان عنهم، فأخرج لهم الأموال، وأعطى الفقراء والجائعين، حتى أزاح الله الغمة، وكشف الكربة[51].
كذلك اهتمَّ الحَكَمُ بالعلماء وقرَّبهم وأعطاهم الكثير من الأموال، واهتمَّ بإنشاء المكاتب لطلَّاب العلم، ووقف عليها الأوقاف، فيُذكر أنَّه أقام في ساحة المسجد الجامع بقرطبة، وحوَّله بعد الزيادة التي أضافها إليه ثلاثة مكاتب لتعليم أولاد الضعفاء والمساكين، وأقام كذلك أربعةً وعشرين مكتبًا في أرباض قرطبة، كما حبس حوانيت السرَّاجين بسوق قرطبة على المعلِّمين بهذه المكاتب، وأشهد على ذلك القاضي محمد بن إسحاق، وجعل للعلماء جانبًا من دار الملك يجلسون فيه للتأليف والنسخ والترجمة والمقارنة[52].
عهد عبد الرحمن بن الحكم (206 – 238 هـ):
في عهد عبد الرحمن بن الحكم واجه مجاعةً كبيرة في بداية عهده في عام 207هـ، وكان سببها انتشار الجراد الأصفر بالأرض، وتردُّده بالجهات، فنالت الناس مجاعةٌ عظيمة، وقد اجتهد الناس في الدعاء وسقاهم الله عز وجل ليومهم، وأطعم الأمير عبد الرحمن بن الحكم الضعفاء والمساكين من أهل قرطبة[53].
عهد المنذر بن محمد (275 – 300هـ):
في بداية عهد الأمير المنذر بن محمد بن عبد الرحمن، فرق العطاء في الجند، وتكافل مع الرعية في إسقاط عُشر العام عنهم، وما يلزمهم من جميع المغارم[54].
عهد عبد الرحمن الناصر ( 300 - 350 هـ):
في عهد أمير المؤمنين عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله الملقَّب بالناصر في عام 303هـ بدأت مجاعة شديدة؛ فقد بلغت الحاجة بالناس مبلغًا لا عهد لهم بمثله، وبيع قَفِيز قمح سوق قرطبة بثلاثة دنانير، ووقع الوباء بالناس، وكثر المَوَتانُ في أهل الفاقة والحاجة حتى كاد يُعجز عن دفنهم، فكثرت صدقات الأمير عبد الرحمن الناصر على المساكين في هذا العام، وصدقات أهل الحِسْبة من رجاله، فكان الحاجب بدر بن أحمد أكثرهم صدقة، وأعظمهم بماله مواساة[55]. وفي عام 317هـ وقع المَحْل بالأندلس واحتبس الغيث، واضمحلَّت الزروع، وعزَّت الأقوات، وغلت الأسعار، فأمر الناصر خطيب المسجد الجامع بالحضرة بالاستسقاء، فبدأ بذلك في خطبة الجمعة التالية، ثم برز بالناس إلى مصلَّى الربض يوم الاثنين الثامن من شهر صفر من عام 317هـ، فلم يسقط الغيث، واستمر المَحْل والقحط، وجهدت الناس، وخرجت كتب الناصر إلى جميع العمال على الكور بالأمر بالاستسقاء، وكان الكتاب إلى جميع العمال بصيغة واحدة: «بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد فإن الله عز وجل إذا بسط رزقه وأغدق نعمته، وأجزل بركاته، أحب أن يشكر عليها، وإذا رواها وقبضها، أحب أن يُسأَلها، ويُضرع إليه فيها، وهو الرزاق، ذو القوة المتين، والتواب الرحيم، الذي يقبل التوبة عن عباده، ويعفو عن السيئات، ويعلم ما تفعلون، وهو الذي ينزل الغيث بعدما قنطوا، وينشر رحمته، وهو الولي الحميد، فأوجبت به الرغبة، عز وجهه فيه، والخشوع لعزته، والاستكانة له، والإلحاح في المسألة فما احتبس به، والتوبة من الأعمال المنكرة التي توجب سخطه منه، وتبذل نقمته، وتستروحه رضاه، تعالى جَدُّه. وقد أمرنا الخطيب فيما قبلنا بالاستسقاء في المسجد الجامع يوم الجمعة، والجمعة الثانية التي تليه، إن أبطأت السقيا، والبروز يوم الاثنين بعدها لحماية المسلمين عندنا إلى مصلاتهم، أو يأتي الله قبل ذلك بغيثه المعني عنه، ورحمته المنتظرة منه، المرجوة عنده، فمر الخطيب بموضوعك أن يحتمل على مثل ذلك، ويأخذ به من قبله من المسلمين، وليحملهم بذلك المحمل، ولتكن ضراعتهم إلى الله تعالى، ضراعة من قد اعترف بذنبه، ورجا رحمة الله، والله غفور رحيم. وهو المستعان لا شريك له إن شاء الله"[56].
وفي سنة 324هـ أصاب الأندلس قحط آخر لم تُصب بمثله من قبل، فاحتبس المطر، وجفت الزروع، ومع ذلك فلم يترك هذا المحل وراءه كثيرًا من الآثار المخربة، ويقول لنا ابن حيان: إن البركات والخيرات استمرت ذائعة بين الناس في سائر الجهات، وبذل الناصر لمعونة الناس ما جبر النقص في المحل، وانهمل الغيث في العام التالي، وقد نظم الشاعر عبد الله بن يحيى بن إدريس في ذلك قصيدة في مديح الناصر، هذا مطلعها:
نعم الشفيع إلى الرحمن في المطر مستنزل الغيث بالأعذار والنذر[57]
وعاد المحلُّ والقحط يعصف بالأندلس في سنة 329 هـ، وتوقَّف المطر، وعمَّ الجفاف، وشرع قاضي الجماعة، وصاحب الصلاة محمد بن أبي عبد الله بن عيسى في إقامة صلاة الاستسقاء في يوم الجمعة من ربيع الآخر، ولكن المَحْل تمادى، وبرز الناس إلى مصلى الربض مرارًا وتكرارًا، وفي الثاني عشر من جمادى الأولى (أول فبراير)، بدا نوء غليظ وسحاب كثيف ونزل الثلج طوال اليوم وغطى الأرض، ثم نزل المطر والثلج، وانقطع دون أن يروي الأرض، فعاد القاضي إلى الاستسقاء حتى استجاب الله لعباده بعد أيام قلائل، وبدأ الناس في الزرع، وتوالى نزول الغيث، واستسق الناس سقيًا وافيًا، ورويت الأراضي والمزارع، وهبطت الأسعار وعاد الرخاء[58].
وممَّا ذكره لنا ابن حيَّان من الحوادث الداخليَّة في سنة 342هـ، وقوع الحريق العظيم بمدينة قرطبة؛ ففي أوائل شهر شعبان من هذه السنة، شبَّت النار بسوق قرطبة، فأحرقت جميع مجالس الحصاد، واتَّصل الحريق بحيِّ الصرَّافين، وما جاور مسجد أبي هارون، فاحترق وتداعى المسجد، ثم اتصلت النار بسوق العطارين، وما جاوره من الأسواق والأحياء، واتسع نطاقها بصورة مرعبة، وكان حريقًا شنيعًا مروع الآثار. وقد أمر الناصر بعد انتهائه، وانجلاء آثاره، أن يعاد بناء مسجد أبي هارون، فأعيد على أحسن حال. وأمر الناصر كذلك بإعادة بناء ما تهدَّم من الدور والصروح العامَّة[59].
عهد الحكم المستنصر بن عبد الرحمن الناصر (350 - 366 هـ):
خلف الحكم المستنصر بن عبد الرحمن الناصر أباه في حكم الخلافة، وقد كان محبًّا للعلم وأهله، مهتمًّا بأحوال المسلمين وخاصَّةً الفقراء منهم؛ فقد ابتنى المستنصر بغربي الجامع دار الصدقة، اتَّخذها معهدًا لتفرق صدقاته، ومن مستحسنات أفعاله وطيِّبات أعماله، اتخاذه المؤدبين يُعلِّمون أولاد الضعفاء والمساكين القرآن، وبكلِّ ربضٍ من أرباض قرطبة؛ وأجرى عليهم المرتَّبات، وعهد إليهم في الاجتهاد والنصح، ابتغاء وجه الله العظيم، وعدد هذه المكاتب سبعة وعشرون مكتبًا، منها حول المسجد الجامع ثلاثة، وباقيها في كلِّ ربضٍ من أرباض المدينة[60].
التكافل والإغاثة في الدولة العامرية (366 – 399 هـ):
جاء عن الحاجب المنصور في سيرة حروبه أنَّه سَيَّر جيشًا كاملًا؛ لإنقاذ ثلاثٍ من نساء المسلمين كنَّ أسيراتٍ لدى مملكة نافار[61]، ذلك أنَّه كان بينه وبين مملكة نافار عهد، وكانوا يدفعون له الجزية، ومن شروط هذا العهد ألَّا يأسروا أحدًا من المسلمين أو يستبقوهم في بلادهم، فحدث ذات مرَّة أن ذهب رسولٌ من رسل الحاجب المنصور إلى مملكة نافار، وهناك وبعد أن أدَّى الرسالة إلى ملك نافار قاموا له جولة، وفي أثناء هذه الجولة وجد ثلاثةً من نساء المسلمين في إحدى كنائسهم، فتعجَّب لوجودهن، وحين سألهنَّ عن ذلك قلن له أنهنَّ أسيراتٌ في ذلك المكان، فغَضِب رسول المنصور غضبًا شديدًا وعاد إلى الحاجب المنصور وأبلغه الأمر، فما كان من المنصور إلَّا أن سيَّر جيشًا لإنقاذ النسوة، وحين وصل الجيش إلى مملكة «نافار» دُهش ملك نافار وقال: نحن لا نعلم لماذا جئتم؟ وقد كانت بيننا وبينكم معاهدة على ألا نتقاتل، ونحن ندفع إليكم الجزية. وفي استعلاءٍ للحقِّ من غير كبرٍ ردُّوا عليه: بأنَّكم خالفتم عهدكم، واحتجزتم عندكم أسيرات مسلمات. فقالوا: لا نعلم بهنَّ. فذهب الرسول إلى الكنيسة، وأخرج النسوة الثلاث، فقال ملك نافار: إنَّ هؤلاء النسوة لا نعرف بهن؛ فقد أسرهنَّ جندي من الجنود، وقد تم عقاب هذا الجندي. ثم أرسل برسالةٍ إلى الحاجب المنصور يعتذر فيها اعتذارًا كبيرًا، فعاد الحاجب المنصور إلى بلده ومعه الثلاث نساء[62].
إغاثة المرابطين للأندلس:
حدث تفكَّك كبير في بلاد الأندلس بعد سقوط الدولة الأمويَّة هناك في أوائل القرن الخامس الهجري، ممَّا أدَّى إلى تسلُّط الممالك النصرانيَّة على بلاد الأندلس وإسقاط عددٍ من المدن الإسلاميَّة المهمَّة، حتى سقطت طليطلة سنة 478هـ[63]. وبات الأمر في منتهى الخطورة، وأمام هذا التدهور المروع لجأت مجموعةٌ من أمراء وعلماء الأندلس إلى زعيم دولة المرابطين يستغيثون به لينجدهم من هجوم النصارى عليهم.
ودولة المرابطين هي دولة إسلامية عظيمة، كانت تحكم ثلث إفريقيا في ذلك الوقت، وكان مركزها في المغرب، وكانت تحت قيادة البطل الإسلامي المشهور يوسف بن تاشفين.
لم يتردَّد يوسف بن تاشفين /، ولم يتأخَّر؛ بل قام من فوره يعدُّ العدَّة، ويُجهِّز الجيوش، وعبر توًّا إلى الأندلس، والتقى والصليبيين في موقعةٍ خالدةٍ فاصلة هي موقعة الزلاقة سنة 479هـ[64]، وفيها انتصر انتصارًا ساحقًا على الصليبيِّين، ودمَّر جيوشهم، ونَعِمَت الأندلس بالأمان عشرات من السنين بعد هذه الموقعة.
ومن الجدير بالذكر أنَّ يوسف بن تاشفين رفض أن يأخذ شيئًا من الغنائم بعد هذا الانتصار العظيم، بل ترك كلَّ شيءٍ للمسلمين في الأندلس[65]؛ ليُثبت تجرُّده الكامل في نصرة المسلمين، ونجدة المكروبين، وإغاثة الملهوفين، لا يرجو بذلك أجرًا إلَّا من الله عز وجل.
فما أعظمه من قائد! وما أروعه من تاريخ!
وقد أدَّى هذا الاستقرار السياسي الذي شهدته الأندلس في عهد المرابطين إلى استقرار اقتصادي، وظهر ذلك بارزًا في تعامل المرابطين مع طبقات المجتمع المختلفة، إذ حرصوا على إلغاء الضرائب الباهظة عن التجَّار؛ حرصًا منهم على أن يعيش المسلمون عيشةً كريمة، وأن يتوافر لهم حد الكفاية لا حد الكفاف، فأصبحت الفئات الفقيرة في المجتمع موضع اهتمام أمير المسلمين؛ فالصنَّاع والحرفيُّون أصبحوا يُشكِّلون جانبًا كبيرًا من المجتمع الأندلسي، وازدهرت كذلك مكانة المزارعين، وزاد إقبالهم على الزراعة بسبب تلك السياسة الضريبيَّة الحكيمة[66].
إغاثة دولة بني مرين للأندلس:
في سنة 673هـ ساءت حالة غرناطة الإسلاميَّة جدًّا، بعد سقوط معظم الحواضر الإسلاميَّة في أيدي الصليبيِّين، وكان على زعامة غرناطة في ذلك الوقت محمد الفقيه بن الأحمر، ورأى هذا الزعيم أنَّ غرناطة هي الأخرى ستسقط قريبًا تحت أقدام ألفونسو العاشر ملك قشتالة، ولذلك أسرع محمد الفقيه بالاستغاثة لزعيم دولة بني مرين، والتي كانت تشمل المغرب وبعض المناطق حولها، وكان هذا الزعيم البطل الإسلامي العظيم يعقوب المنصور المريني[67]/.
استجاب المنصور المريني فورًا لنداء محمد الفقيه، وجهَّز جيشًا من خمسة آلاف رجل[68]، وانطلق بهمَّةٍ عاليةٍ يعبر مضيق جبل طارق، والتقى وجيش قشتالة الصليبي في موقعةٍ فاصلة، كان قائد الصليبيِّين في هذه الموقعة يُدعى دون نونيو دي لاري، ولذلك تُعرف الموقعة التي دارت باسمه، وهي موقعة «الدونونيَّة»[69]، وكان ذلك في سنة 674هـ، وفيها انتصر المسلمون انتصارًا ساحقًا، ودُمِّر جيش قشتالة الكبير، والذي كان يربو على تسعين ألفًا[70]، بل وأُسِر عددٌ كبيرٌ من جنوده، وقام المنصور المريني بعملٍ جليلٍ أنقذ به ثروةً من علوم المسلمين، حيث بادل الأسرى الصليبيِّين بمجموعةٍ كبيرةٍ من الكتب العلميَّة التي استولى عليها النصارى قبل ذلك من مكتبات إشبيليَّة وقرطبة وطليطلة[71]، وبذلك لم يكن المنصور المريني منقذًا غرناطة فقط، بل كان منقذًا -كذلك- لحضارة المسلمين.
روائع الأوقاف في الأندلس
على الرغم من البعد النسبي لهذين الإقليمين عن المشرق الإسلامي، فإنَّ الرابطة الإسلاميَّة القويَّة جعلت الأمراء والسلاطين والأغنياء وفاعلي الخير يُكثرون بل ويتفنَّنون في إنشاء الأوقاف المتنوِّعة؛ وقد حرصت مؤسَّسة الحكم في هذين الإقليمين على المحافظة على هذه الأوقاف واستثمارها بما يخدم العين الموقوفة والموقوف عليهم.
وعلى الرغم من الاستقلال المبكِّر لإقليم المغرب العربي منذ عام (184هـ)؛ حينما ولَّى هارونُ الرشيد إبراهيمَ بن الأغلب التميمي ولاية إفريقيَّة، وكذلك استقرار واستقلال بني أميَّة بالأندلس منذ دخول عبد الرحمن بن معاوية الداخل عام (138هـ)- فإنَّ ذلك لم يَحُلْ أمام إقامة حضارتين عريقتين في هذين الإقليمين الجليلين في غرب الخلافة العباسيَّة؛ ولقد كانت الأوقاف أو الأحباس -كما اعتاد أهل المغرب والأندلس على تلك التسمية- من أروع ما خلَّفته هاتان الحضارتان؛ ولا نستغرب حينما نعلم أنَّ الأوربِّيِّين في قرونهم الوسطى كانوا يَرَوْنَ أهل الأندلس وخلفاءهم من أعرق الأمم الإنسانيَّة على الإطلاق، وكان حلم الكثيرين منهم أن يرتحلوا إلى الأندلس؛ رغبةً في تلقِّي العلم، أو لتحسين وضعهم المعيشي والاجتماعي؛ كما هو الحال عند كثيرٍ من أبناء بلاد الإسلام الذين يرغبون بكلِّ ما أوتوا من قوَّة أن يرحلوا إلى أوروبَّا وأمريكا!
ومهما يكن من أمرٍ فقد أسهمت هذه الأوقاف في صنع الحضارة الإسلاميَّة في المغرب والأندلس، ولم يكن يضارعها إلَّا إنفاق الدولة من بيت المال والخزانة العامَّة على المشاريع التنمويَّة الكبرى، ونلاحظ أن أوقاف الجهاد غلبت على معظم الأوقاف الأخرى في القرون الثلاثة الأولى من الهجرة؛ فكثر إنشاء الرباطات والقواعد، وكانت السمة الغالبة على هذه الأوقاف أنها خاصَّة، أي أن عامَّة المسلمين هم من أوقفوها، ويبدو ذلك منطقيًّا؛ إذ الجهاد كان الهدف الرئيس للخلافة الإسلاميَّة والدول المستقلَّة حينئذ؛ فنجد أن رباط تازا في المغرب الأقصى كان من جملة الرباطات المهمة، التي أوقف عليها مؤسِّس دولة الأدارسة إدريس بن عبد الله (ت175هـ)، وكان هذا الرباط منطلَقًا للعمليات العسكريَّة والجهاد في تلك المناطق[72]. وكان قصر الطوب -وهو موضع بجوار مدينة سوسة في تونس- من أهم مناطق رباط دولة الأغالبة، وقد أوقفوه على الزهاد والعباد وكذلك منطلَقًا للجهاد، وكان من أشهر الزهاد فيه رجل يُدْعَى ابن يونس، فإنه لما تُوُفِّيَ خرج معظم أهل مدينة تونس في جنازته[73]!
وفي الأندلس لم تتوقَّف العمليات العسكريَّة مع الصليبيِّين لمددٍ طويلة، فكان أهل الثغور في الأندلس على رباطٍ دائم، وجهادٍ مستمرٍّ، ومناوشاتٍ لا تنقطع؛ ومِنْ ثَمَّ حرص خلفاء بني أميَّة على وقف الأوقاف الجزيلة على أهل هذه الثغور، ومن أروع هذه الأوقاف وقف الحكم المستنصر بن عبد الرحمن الناصر (ت 366هـ)؛ فقد أوقف عليهم جميع كور الأندلس «تُفَرَّق عليهم غلَّات هذه الضياع عامًا بعد عام على ضعفائهم إلَّا أن تكون بقرطبة مجاعة، فتُفَرَّق فيهم إلى أن يجبرهم الله»[74]!
ولقد كان إنشاء المساجد من أَجَلِّ الأوقاف التي انتشرت مع انتشار الإسلام في المغرب والأندلس شأنها شأن بقيَّة بقاع العالم الإسلامي، فكما أنشأ عقبة بن نافع جامعه الشهير في القيروان في القرن الأول الهجري؛ فقد أنشأ كلٌّ من موسى بن نصير وطارق بن زياد ومن خلفهم من أمراء الدول التي تتابعت على المغرب والأندلس حتى الخلافة العثمانيَّة؛ واللافت أن بناء هذه المساجد لم يكن حكرًا على مؤسَّسة الحكم أو الأغنياء والميسورين من رجال هذه الأُمَّة، بل اشتركت النساء بنصيبٍ وافرٍ في هذه الأوقاف العظيمة؛ فقد أنشأت السيدة فَاطمة بنت محمد بن عبد الله الفهري جامع القرويين بفاس في المغرب الأقصى عام (245هـ)، وأوقفت عليه الأوقاف الدارَّة، ثم وسع المسجدَ الأميرُ عبد الرحمن الناصر في عام (345هـ) وحبس عليه الأحباس، وعَيَّن لها قيمًا كان له مكان معلوم في مقصورة المسجد؛ ودعت وفرة الأحباس والأموال الموقوفة على هذا المسجد لإنشاء مستودع أيام الفقيه أبي عبد الله الجورائي (ت598هـ)[75].
وعلى الجانب الآخر في الأندلس -وفي ظِلِّ حكم الأمويِّين هناك- انتشرت الأوقاف بصورةٍ لافتة، وخاصَّة أوقاف المساجد؛ فالخليفة الأموي عبد الرحمن الداخل شرع منذ قيام الدولة الأمويَّة في الأندلس بإنشاء المسجد الجامع في قرطبة ، وقد أنفق فيه ثمانين ألف دينار، وتُوُفِّيَ قبل أن يُتِمَّه، وقد أكمل ابنه هشام بناءه بعد ذلك[76].
واهتمَّ أبو المطرف عبد الرحمن بن الحكم (ت 238هـ) بإنشاء الجوامع في مختلَف أرجاء الأندلس، وكان من أكبرها وأجملها المسجد الجامع في إشبيلية[77]، ويُعَدُّ وقف الحكم بن عبد الرحمن الناصر على المسجد الجامع بقرطبة من أعظم الأوقاف التي ذكرتها المصادر الأندلسيَّة؛ ففي عهده توسَّعت قرطبة وازداد عدد الناس بها، فدعت الحاجة إلى الزيادة في المسجد الجامع، وبعد الانتهاء من الزيادة أمر بوقف جليل عليه، كان هذا الوقف ربع ثروته التي ورثها عن أبيه الناصر[78]!!
ووصلت الأوقاف ذروتها في الأندلس في عهد الحكم بن عبد الرحمن الناصر؛ حيث اهتمَّ بإنشاء الأوقاف بكافَّة أنواعها، وعلى رأسها ما يسدُّ حاجات المجتمع الضروريَّة؛ فأنشأ أوقاف المياه، وشقَّ القنوات لجلبها من المناطق البعيدة؛ ففي عام (356هـ) «أجرى الماء إلى سقايات الجامع (بقرطبة) والميضأتين اللتين مع جانبيه: شرقيه وغربيه، ماءً عذبًا جلبه من عين بجبل قرطبة، خرق له الأرض، وأجراه في قناة من حجر متقنة البناء، محكمة الهندسة، أودع جوفها أنابيب الرصاص لتحفظه من كل دنس»[79].
واهتمَّ الحَكم رحمه الله بإنشاء مكاتب موقوفة لتعليم أبناء المسلمين؛ وكانت هذه المكاتب مختصَّة بتعليم القراءة والكتابة، وحفظ القرآن الكريم، ودراسة منهجٍ لا بأس به من السُّنَّة والسيرة النبويَّة، ومن ثَمَّ اتخذ الحكم «المؤدِّبين لتعليم أولاد الضعفاء والمساكين القرآن حوالِيَ المسجد الجامع، وبكلِّ ربضٍ من أرباض قرطبة؛ وأجرى عليهم المرتبات، وعهد إليهم في الاجتهاد والنصح، ابتغاء وجه الله العظيم؛ وعدد هذه المكاتب سبعة وعشرون مكتبًا؛ منها حوالي المسجد الجامع ثلاثة، وباقيها في كل ربض من أرباض المدينة»[80]، أي: إن قرطبة وحدها حوت 27 مدرسة متطوِّرة لتعليم أبناء المسلمين بالمجَّان، وكان المعلمون في رغد من العيش، ومِنْ ثَمَّ خرَّجت لنا قرطبة عشرات العلماء في كلِّ العلوم والفنون في العصر الأموي الزاهر.
واللافت أن هؤلاء المؤدِّبين عُدَّ كثيرٌ منهم من العلماء الراسخين، وكُتب تراجم الأندلسيِّين زاخرة بهذا الأمر، فكتاب «تاريخ علماء الأندلس» لابن الفرضي يذكر وحده تسعةً وعشرين عالمًا في مختلَف العلوم، كانوا مؤدِّبين (معلمين) في كتاتيب الأطفال؛ ممَّا يرسم لنا صورةً صادقةً عن ثقافة المجتمع الأندلسي الراقية آنئذٍ!
كما بُنيت المدارس في المغرب والأندلس، وأوقف عليها الأمراء والولاة والتجَّار الأوقاف الجزيلة، فقد بنى المنصور يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن مدرسة الجوفيَّة في مدينة سلا بالمغرب الأقصى في عام (593هـ)[81].
واللافت أنَّ شروط الصلح مع الصليبيِّين في الأندلس والمغرب كانت تنصُّ على ردِّ كلِّ الكتب التي استولَوْا عليها بطريق الغصب والسرقة، ووقفها على المدارس الكبرى في حواضر المغرب والأندلس، وهذا ما حدث بين سلطان بني مرين يعقوب بن عبد الحق وبين طاغية الروم «سانجة»، فبعد انتصار المسلمين على الصليبيين في كثير من مدن الأندلس -التي استولَوْا عليها عام (684هـ)- تَمَّ الصلح بين الطرفين، وكان أحد أهم هذه الشروط: «أن يبعث إليه بكُتب العلم التي بأيدي النصارى منذ استيلائهم على مدن الإسلام، فبعث إليه منها ثلاثة عشر حملًا، فيها جملة من مصاحف القرآن الكريم وتفاسيره؛ كابن عطية والثعلبي، ومن كتب الحديث وشروحاتها؛ كالتهذيب، والاستذكار، ومن كتب الأصول والفروع واللغة والعربيَّة والأدب.. وغير ذلك، فأمر السلطان رحمه الله بحملها إلى فاس وتحبيسها على المدرسة التي أسَّسها بها لطلبة العلم"[82].
ويبدو أن الدولة المرينيَّة كانت مهتمَّةً بإنشاء المدارس الموقوفة والمكتبات؛ ولذلك عَلَّق الناصري على مجهودات سلاطين بني مرين في هذا المجال بقوله: «قد تَقَدَّم لنا أن السلطان يعقوب بن عبد الحق كان قد بنى مدرسته التي بفاس مع غيرها ممَّا سبق التنبيه عليه، ووقف عليها كتب العلم التي بعث بها إليه الطاغية سانجة عند عقد الصلح معه، ووقف عليها غير ذلك واقتفى أثره في هذه المنقبة الشريفة بنوه من بعده؛ فاستكثروا من بناء المدارس العلميَّة والزوايا والربط، ووقفوا عليها الأوقاف المغلَّة، وأجْرَوْا على الطلبة بها الجرايات الكافية، فأمسكوا بسبب ذلك من رمق العلم، وأحيوا مراسمه، وأخذوا بضبعيه جزاهم الله عن نيَّتهم الصالحة خيرًا"[83].
واهتمَّ الأندلسيُّون بوقف المدارس وإنشائها؛ ولكن إنشاء المدارس ذات التعليم العالي لم يتم إلَّا منذ القرن السابع الهجري، غير أنَّ حلقات كبار الشيوخ كانت في المساجد، فضلًا عن وجود مدارس ابتدائيَّة وُجدت منذ الخلافة الأمويَّة؛ هذه الحلق والمدارس الابتدائيَّة كان لها دورٌ عظيمٌ في التعليم منذ القرن الثاني الهجري، وبدأت المدارس العالية في الانتشار بعد ذلك؛ ففي غرناطة أوقف رضوان حاجب الدولة النصرية (ت 760هـ) أوَّل مدرسةٍ بها، «ولم تكن بها بَعْدُ، وسَبَّب إليها الفوائد، ووقف عليها الرباع المغلَّة، وانفرد بمَنْقبها[84]، فجاءت نسيجة وحدها بهجة وصدرًا وظرفًا وفخامة، وجلب الماء الكثير إليها من النهر، فأبَّد سقْيَه عليها»[85].
وقد اهتمَّ علماء الأندلس والمغرب بوقف كُتبهم على طلبة العلم شأنهم في ذلك شأن علماء الحضارة الإسلاميَّة في المشرق؛ فهذا عالم قرطبة قاسم بن سعدان (ت347هـ) يحبس كتبه على طلبة العلم في مكتبة محمد بن محمد بن أبي دُلَيم[86]، ومثل ذلك ما فعله علامة طليطلة محمد بن حيُّون بن عمران الأنصاري (ت346هـ) الذي وقف كتبه عند صديقه أبي عَبْد الله بن مُفَرِّج[87]، وغير هؤلاء كثير.
وكان جامع عقبة بن نافع الفهري رحمه الله في القيروان بمثابة جامعة إسلاميَّة متطوِّرة بجوار كونه مسجدًا؛ ولذلك أوقف كثير من كبار أعلام تونس كتبهم عليه؛ مثل تحبيس الإمام أبي القاسم عبد الخالق بن عبد الوارث السيوري المتوفى سنة (462هـ)، وقد حبس الإمام قاسم بن عيسى بن ناجي (ت 839هـ) كتبه -بعضها من تأليفه- على طلبة العلم بمدينة القيروان، فينسخون منها إن احتاجوا إلى ذلك، وجعل النظر فيها وصرفها لمن يقرأ فيها على يديه مدَّة حياته؛ ووقفت بعد وفاته في الجامع الأعظم[88].
وقد حَدَّثنا الرحالة العبدري المغربي عن زيارته لجامع عقبة في مدينة القيروان، وكان ذلك في عام (688هـ)؛ فكان مما لفت انتباهه مكتبة المسجد التي حوت من النوادر والمصادر الموقوفة ما لم يُوجد في غيره؛ فقال: «دخلنا بيت الكتب (في الجامع)، فأُخرجت لنا مصاحف كثيرة بخطٍّ مشرقي، ومنها ما كُتب كله بالذهب، وفيها كتب محبسة قديمة من عهد سحنون (أواخر القرن الثاني الهجري)، وقبله، منها موطأ ابن القاسم وغيره... »[89].
وظهرت أوقاف عظيمة أخرى في الأندلس والمغرب؛ فمن أهمها أوقاف القناطر والجسور، وهي من أهمِّ الأوقاف الخدميَّة في تلك البلاد؛ إذ كثرة الأنهار فيها قد تعوق الناس عن سعيهم وإعمارهم في الأرض؛ ولذلك حرص الأمراء والولاة على إنشاء هذه القناطر والجسور؛ فقد اهتمَّ بنو أميَّة في الأندلس ببناء القناطر والجسور؛ وكانت قنطرة هشام بن عبد الرحمن بن معاوية (ت180هـ) من أكبر القناطر وأعظمها في الأندلس؛ إذ «أَنفق في إصلاحها أموالًا عظيمة، وتولَّى بناءها بنفسه، وتُعطى الأجرة بين يديه... ولما بنى هشام القنطرة، تكلَّم بعض الناس فيه، وقالوا: إنما بناها لتصيُّده ونُزهته! فحلف حين بلغه ذلك ألا يجوز عليها إلا لغزو أو مصلحة"[90]، وتأتي قنطرة المنصور بن أبي عامر في قرطبة من أهم قناطر الأندلس التي بقيت حتى يومنا هذا؛ فقد استمرَّ البناء فيها عامين كاملين من عام (387هـ) إلى عام (389هـ)، أنفق عليها المنصور مائة وأربعين ألف دينار كاملة؛ وكذلك قنطرة إستجة؛ فقد «تجشَّم لها أعظم مؤنة، وسهَّل الطرق الوعرة والشعاب الصعبة"[91].
ولا ننسَ روائع الأوقاف الصحِّيَّة في المغرب والأندلس؛ فمنها ما قام به الأمير الموحدي يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن (ت 594هـ) ببناء بيمارستان مَرَّاكُش، فلقد كان هذا المشفى من أجمل وأفضل المشافي في المغرب الأقصى على الإطلاق، ولم يُبْنَ في وقته مثله، حتى إنَّ المؤرخ المرَّاكُشِيَّ قد وصفه بقوله: «وبنى (يعقوب بن يوسف) بمدينة مَرَّاكُش بيمارستانًا ما أظن أن في الدنيا مثله؛ وذلك أنه تخيَّر ساحة فسيحة بأعدل موضع في البلد، وأمر البنائين بإتقانه على أحسن الوجوه، فأتقنوا فيه من النقوش البديعة والزخاريف المحكمة ما زاد على الاقتراح، وأمر أن يُغرس فيه مع ذلك من جميع الأشجار المشمومات والمأكولات، وأجرى فيه مياهًا كثيرة -تدور على جميع البيوت- زيادة على أربع برك، في وسطه إحداها رخام أبيض، ثم أمر له من الفُرش النفيسة -من أنواع الصوف والكتان والحرير والأديم وغيره- بما يزيد على الوصف ويأتي فوق النعت، وأجرى له ثلاثين دينارًا في كل يوم برسم الطعام، وما ينفق عليه خاصَّة، خارجًا عما جلب إليه من الأدوية، وأقام فيه من الصيادلة لعمل الأشربة والأدهان والأكحال، وأعدَّ فيه للمرضى ثيابَ ليلٍ ونهار للنوم من جهاز الصيف والشتاء، فإذا نقه المريض، فإن كان فقيرًا أمر له عند خروجه بمال يعيش به ريثما يستقلُّ، وإنْ كان غنيًّا دفع إليه ماله، وتُرِكَ وسَبَبَه؛ ولم يقصره على الفقراء دون الأغنياء، بل كل مَنْ مرض بمَرَّاكُش من غريبٍ حُمِلَ إليه، وعولج إلى أن يستريح أو يموت، وكان في كل جمعة بعد صلاته يركب ويدخله؛ يَعود المرضى، ويسأل عن أهل بيت يقول: كيف حالكم؟ وكيف القَوَمة عليكم؟ إلى غير ذلك من السؤال ثم يخرج، ولم يزل مستمرًّا على هذا إلى أن مات رحمه الله"[92].
وفي القرن الثامن الهجري بنى ملك بني نصر في غرناطة الغني بالله محمد بن يوسف الأنصاري (ت793هـ) بيمارستانه العظيم بها، وكان أول بيمارستان موقوف يُنشأ فيها منذ الفتح الإسلامي؛ وقد عهد إلى وزيره الشهير لسان الدين بن الخطيب (ت777هـ) ببنائه؛ فكان من أجمل بيمارستانات المسلمين في الأندلس؛ من حيث السعة والهدوء والإنفاق والنظافة، فضلًا عن المناظر الطبيعيَّة الخلابة؛ وقد وصفه ابن الخطيب بقوله: «ومن مواقف الصِّدْق والإحسان... بناء المارستان الأعظم حسنةُ هذه التخوم القُصوى (يقصد غرناطة) ومزيَّةُ المدينة الفُضْلَى. لم يهتد إليه غيرُه من الفتح الأول، مع توفُّر الضرورة، وظهور الحاجة، فأغرى به همَّةُ الدِّين، ونفسُ التقوى... فخامة بَيْت، وتعدَّد مساكن، ورحْبَ ساحة، ودرُور مياه، وصحَّة هواء، وتعدّد خزاين ومتوضآت، وانطلاق جراية وحسن ترتيب، أبَرّ على مارستان مصر، بالساحة العريضة، والأهوية الطيبة، وتَدَفُّق المياه من فورات المرمل، وأسُود الصخر، وتموُّج البحر، وانسدال الأشجار"[93].
هذا، ولم يتوقَّف إنشاء الأوقاف في المغرب والأندلس على الوجوه المعتادة؛ كالنواحي الصحيَّة أو الدينيَّة؛ مثل: الرباطات والمستشفيات والمدارس.. وغيرها؛ حيث وُجدت أوقاف أخرى سدَّت احتياجات المجتمع المغاربي والأندلسي؛ ففي تونس وُجد وقف لختان أولاد الفقراء، يُخْتَن الولد ويُعطى كسوة ودراهم، وهناك وقف تُوَزَّع منه الحلواء في شهر رمضان مجَّانًا، ويأتي إلى تونس في بعض أيام السَّنَة نوع من السمك، تفيض به شواطئها؛ ولذلك كان هناك وقف يُشترى من ريعه جانب كبير من هذا السمك، ويُوَزَّع على الفقراء مجَّانًا، وكان فيها وقف لمن وقع عليه زيت مصباح، أو تلوَّث ثوبه بشيء آخر، يذهب إلى هذا الوقف، ويأخذ منه ما يشتري به ثوبًا آخر[94].
والأغرب من ذلك، أنه كان بمدينة مَرَّاكُش بالمغرب، مؤسسة وقفيَّة تُسمى «دار الدُّقة"[95]، وهي ملجأ تذهب إليه النساء اللاتي يقع بينهن وبين أزواجهن نفور وبغضاء، فلهن أن يُقِمْنَ آكلات شاربات إلى أن يزول ما بينهن وبين أزواجهن من نفور[96]!
هذه هي بعضٌ من روائع الأوقاف الإسلاميَّة التي وُجدت في الأندلس؛ وهي دليلٌ لا غبار عليه على مدى التقدُّم الإنساني الذي وصل إليه هذان الإقليمان العظيمان؛ ولقد ظَلَّت الأوقاف تُؤَدِّي الغاية منها في الأندلس حتى سقطت، فاستولى النصارى عليها كما استوْلَوْا على الأندلس كلِّها، وبقيت كثيرٌ من الآثار شاهدةً على روعة هذه الأوقاف في بلدان المغرب الإسلامي.
[1] خليل إبراهيم السامرائي وآخرون: تاريخ العرب وحضارتهم في الأندلس، دار الكتاب الجديد المتحدة، ط1، 2000م، 367- 369.
[2] انظر: حسين مؤنس: موسوعة تاريخ الأندلس، مكتبة الثقافة الدينية، ط2، مصر – القاهرة، 1996، 1/82.
[3] حسين مؤنس: 1/83.
[4] خليل إبراهيم السامرائي وآخرون: تاريخ العرب وحضارتهم في الأندلس، دار الكتاب الجديد المتحدة، ط1، 2000م، 368- 369.
[5] انظر: محمد عبد الله عنان: تراجم إسلامية شرقية وأندلسية، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط2، 1390هـ= 1970م، 2/685.
[6] انظر: حسين مؤنس: موسوعة تاريخ الأندلس، 1/85.
[7] ابن عذاري: البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب، تحقيق: ج. س. كولان وليفى بروفنسال، دار الثقافة - بيروت، لبنان، ص112.
[8] سَوْرَة السلطان: سطوته واعتداؤه. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة سور 4/384.
[9] النباهي، أبو الحسن بن عبد الله بن الحسن: تاريخ قضاة الأندلس (المرقبة العليا فيمن يستحق القضاء والفتيا)، تحقيق: لجنة إحياء التراث العربي، دار الآفاق الجديدة - بيروت، الطبعة الخامسة، 1403هـ=1983م، ص86.
[10] ابن خلدون: تاريخ ابن خلدون، دار احياء التراث العربي - بيروت، لبنان، 1/251، وشوقي أبو خليل: الحضارة العربية الإسلامية، ص313، 314.
[11] دلالة على شدة العقوبة.
[12] التجريس: التشهير والفضح.
[13] المقري، أحمد بن محمد التلمساني: نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر - بيروت، 1968م.1/219.
[14] ابن الخطيب، لسان الدين محمد بن عبد الله: الإحاطة في أخبار غرناطة، تحقيق: محمد عبد الله عنان، مكتبة الخانجي - القاهرة، الطبعة الثانية، 1393هـ=1973م. 1/413.
[15] عبد الرحمن علي الحجي: التاريخ الأندلسي من الفتح الإسلامي حتى سقوط غرناطة، دار القلم ـ دمشق 2010 .
[16] انظر: محمد كرد علي: غابر الأندلس وحاضرها، القاهرة 2011.
[17]سيد قطب: في ظلال القرآن، دار الشروق - القاهرة، الطبعة الشرعيَّة الحادية عشرة، 1405هـ=1985م.5/390.
[18] انظر في حدائق الأندلس: سلمى الخضراء الجيوسي: الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس، مبحث الحديقة الأندلسية، جيمس ديكي 2/1411 وما بعدها.
[19] المقري: نفح الطيب 1/467.
[20] انظر في وصف حدائق غرناطة: ابن الخطيب: الإحاطة في أخبار غرناطة، ص115 وما بعدها.
[21] ابن الخطيب: الإحاطة في أخبار غرناطة، ص115.
[22] انظر: يحيى وزيري: العمارة الإسلامية والبيئة، ص223.
[23] إكسبيراثيون سانشيز: أستاذة التاريخ الإسلامي في جامعة غرناطة، وباحثة في قسم اللغة العربية في المجلس الأعلى للبحوث العلمية في مدريد.
[24] سلمى الخضراء الجيوسي: الحضارة العربية والإسلامية في الأندلس، مبحث إكسبيراثيون جارثيا سانشيز: الزراعة في إسبانيا المسلمة 2/1370.
[25] جيمس ديكي: أكاديمي متخصص في تاريخ إسبانيا الإسلامية والشريعة الإسلامية بجامعات مانشستر ولانكستر وهارفارد.
[26] سلمى الخضراء الجيوسي: الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس، مبحث يعقوب دكي بعنوان «غرناطة.. مثال من المدينة العربية في الأندلس» 1/176.
[27] يحيى وزيري: العمارة الإسلامية والبيئة، ص217.
[28] ديورانت، ول: قصة الحضارة، ترجمة: زكي نجيب محمود، وآخرين، تقديم: محيي الدين صابر، دار الجيل-بيروت، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم-تونس، 1408هـ=1988م. 13/241.
[29] يحيى وزيري: العمارة الإسلامية والبيئة، ص217.
[30] سلمى الخضراء الجيوسي: الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس، من مبحث: جيمس دكي بعنوان «الحديقة الأندلسية: دراسة في مدلولاتها الرمزية» 2/1433.
[31] يحيى وزيري: العمارة الإسلامية والبيئة، ص217، 218.
[32] وليد أحمد السيد: انعكاسات فلكية في العمارة العربية الإسلامية، جريدة الجزيرة السعودية 9/11/2002.
[33] الحميري، محمد بن عبد الله بن عبد المنعم: الروض المعطار في خبر الأقطار، مكتبة لبنان ناشرون، الطبعة الثانية، 1984م، ص64.
[34] ابن عذارى: البيان المغرب 1/173.
[35] المقري التلمساني: نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب 1/ 199.
[36] المقري التلمساني: نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، 1/ 223.
[37] ابن فضل الله العمري: مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، 4/231.
[38] المقري التلمساني: نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، 1/223.
[39] المقري التلمساني: نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، 3/440- 441.
[40] لسان الدين ابن الخطيب: ريحانة الكتاب ونجعة المنتاب، 2/ 250.
[41] لسان الدين ابن الخطيب: الإحاطة في أخبار غرناطة، 1/ 36.
[42] المقري التلمساني: نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، 1/ 222- 223.
[43] المقري: نفح الطيب3/39.
[44] عبد الواحد المراكشي: المعجب في تلخيص أخبار المغرب، المكتبة العصرية - لبنان، الطبعة الأولى، 2006م، ص8.
[45] حسين مؤنس: موسوعة تاريخ الأندلس 1/501.
[46] المقصود بالصوائف: حملات الجهاد خلال شهور الصيف.
[47] ابن عذاري: البيان المغرب في أخبار المغرب 2/73، 74.
[48] مسئدًا: اسم فاعل من الآساد، وهو سير الليل كله، وكذا السير السريع.
[49] محمد محمد زيتون: المسلمون في المغرب والأندلس ص285، 268.
[50] ابن عذاري: البيان المغرب في أخبار المغرب 2/73، 74.
[51] محمد زيتون: المسلمون في المغرب والأندلس، ص290.
[52] ابن عذاري: البيان المغرب في أخبار المغرب 2/240 بتصرُّف.
[53] ابن حيان القرطبي: المقتبس من أنباء الأندلس، ص225 بتصرُّف.
[54] محمد محمد زيتون: المسلمون في المغرب والأندلس، ص316.
[55] ابن عذاري: البيان المغرب في أخبار المغرب 2/168 بتصرُّف.
[56] ابن حيان في السفر الخامس- لوحة 102 أ و ب.
[57] ابن حيان في السفر الخامس- لوحة 105 أ.
[58] ابن حيان في السفر الخامس- لوحة 181.
[59] ابن حيان في السفر الخامس- لوحة 150 أ. هذه والسابق نقلًا عن محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس الخلافة الأموية والدولة العامرية 2/423 - 425.
[60] ابن عذاري: البيان المغرب في أخبار المغرب 2/240.
[61] مملكة نصرانية في شمال الأندلس.
[62] المقري: نفح الطيب 1/404.
[63] الحميري، محمد بن عبد الله بن عبد المنعم: الروض المعطار في خبر الأقطار، مكتبة لبنان ناشرون، الطبعة الثانية، 1984م.1/395، المقري: نفح الطيب 4/447.
[64] المقري: نفح الطيب 4/354.
[65] المقري: نفح الطيب: 4/369.
[66] حمدي عبد المنعم: التاريخ السياسي والحضاري للمرابطين، ص338، 339 بتصرُّف.
[67] المنصور المريني (607 - 685هـ) يعقوب بن عبد الحق المريني الزناتي، سيد بني مرين على الإطلاق، بربري، من أصل عربي، من كبار بني مرين، ملوك المغرب، كان يُعرف عند العامة بالسلطان الأكحل؛ لسمرة لونه، وأمُّه حبشية. بويِع بفاس بعد وفاة أبيه (سنة 731 هـ) بعهد منه، واستنجد به بنو الأحمر، وقد احتلَّ الإفرنج جبل طارق، فأرسل الجيوش فافتتح الجبل وحصَّنه. انظر: الأعلام للزركلي 8/199.
[68] لسان الدين بن الخطيب: الإحاطة 1/565، العبر 4/370، 393، 7/396- 399، 408، 409، 794، نهاية الأندلس، ص100.
[69] شوقي أبو خليل: مصرع غرناطة، دار الفكر - دمشق، سوريا، 1418هـ=1998م، ص48، وانظر: المقري: نفح الطيب 1/449.
[70] عبد الرحمن الحجي: التاريخ الأندلسي، ص536 وما بعدها، نقلًا عن ابن أبي ذرع: الذخيرة السنية، ص149، 150، 159، حسين مؤنس: معالم تاريخ المغرب والأندلس، ص447.
[71] ابن خلدون: العبر وديوان المبتدأ والخبر 7/209، 210، المقري: نفح الطيب 2/639، محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس 7/106، وانظر: طارق السويدان: الأندلس التاريخ المصور، ص419.
[72] ابن عذارى: البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب 1/84.
[73] ابن عذارى: البيان المغرب 1/171.
[74] ابن عذاري: البيان المغرب 2/234.
[75] عبد الهادي التازي: جامع القرويين 1/56، 75.
[76] المقري: نفح الطيب 1/338.
[77] ابن سعيد المغربي: المغرب في حُلى المغرب، ص45.
[78] ابن عذاري: البيان المغرب 2/234.
[79] ابن عذارى: البيان المغرب 2/235.
[80] ابن عذارى: البيان المغرب 2/236.
[81] الناصري: الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى 2/195.
[82] الناصري، أحمد بن خالد: الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، تحقيق: جعفر الناصري، محمد الناصري، دار الكتاب، الدار البيضاء، المغرب، (دون سنة طبع).2/64.
[83] الناصري: الاستقصا 3/111.
[84] بمنقبتها: أي بفضلها ومأثرتها.
[85] ابن الخطيب: الإحاطة في أخبار غرناطة 1/511.
[86] الأزدي: تاريخ العلماء بالأندلس، تحقيق: عزت العطار الحسيني، مطبعة المدني - القاهرة، 1408هـ=1988م.1/409.
[87] ابن الفرضي: تاريخ علماء الأندلس، تحقيق: إبراهيم الإبياري، دار الكتاب المصري ودار الكتاب اللبناني، الطبعة الأولى، 1403هـ=1983م. 2/728.
[88] محمد أبو الأجفان: الوقف على المسجد في المغرب والأندلس وأثره في التنمية والتوزيع، ص312.
[89] العبدري: الرحلة، ص65.
[90] ابن عذرارى: البيان المغرب 2/66.
[91] ابن عذارى: البيان المغرب 2/288.
[92] المراكشي: المعجب في تلخيص أخبار المغرب ص364، 365.
[93] ابن الخطيب: الإحاطة في أخبار غرناطة 2/50، 51.
[94] شوقي أبو خليل: الحضارة العربية الإسلامية، ص336، 337.
[95] دار الدقة: المقصود بها الدار التي تَدُقُّ على يد الزوج الظالم المسيء في معاملته إلى زوجه، حتى توقفه عند حدِّه.
[96] شوقي أبو خليل: الحضارة العربية الإسلامية، ص336، 337.
التعليقات
إرسال تعليقك